[center][img]
http://pcpoint.pc.funpic.de/salaamalykom3.gif[/img][/center][color=#0000ff]على أكتاف العمالقة.
مما لا شك فيه أن من يقف على كتف العملاق يكون لديه مدى رؤية أوسع و بالتالي إدراك اكبر للوسط المحيط.
و لذلك فكل منا حينما يستفيد من خبرات من سبقوه عوضا عن ان يبدأ من نقطة الصفر التى منها بدأوا , فإن مجال رؤيته و تقييمه و فهمه للأمور سيكون أفضل بمقدار حصيلته المتراكمة من المعلومات. و لذلك تثمن الخبرة غاليا.
إن الحضارة البشرية قائمة على مفهوم تراكمية العلم , بمعنى أن حضارتنا الراهنة هى وليدة الثورة الصناعية التى عانت مخاضا صعبا و أليما فى أوروبا بعد العصور الوسطى المظلمة هناك – فكل ليل لابد أن يتبعه صباح و أشد ساعات ظلمة الليل و حلكته هى السابقة مباشرة على بزوغ الفجر-. و هذه بدورها بعثت من سباتها على أيدي الثورة الفكرية الضخمة التى فجرها المسلمون بفتحهم لأقطار العالم شرقا و غربا و باستيعابهم لثقافات العالم القديم و صهرهم إياها فى بوتقة واحدة أثمرت حضارة غضة يافعة ليست بمادية حضارة الرومان الذين لم يقدموا للعالم إلا الغزوات العسكرية و لا بنظرية حضارة الإغريق الذين احتقروا كل الأعمال المادية و اعتبروها من أعمال العبيد التى لا يجوز للسادة الاشتغال بها, حتى أننا لا نجد مخطوطا أصليا واحدا خطه أرشميدس بنفسه عن منجزاته العملية العظيمة إلا من خلال وصف معاصريه أو تلامذته, أما هو فترفع عن أن يكتب إلا فى الرياضيات النظرية.
ذلك على الرغم من الحضارة الإغريقية هى نبتة متأخرة فى حقل حضارات الشرق الأدنى القديمة كمصر و بلاد الرافدين , حتى أننا نجد انبهارهم بحضارة مصر من خلال أوصاف أفلاطون لها. و للمناسبة فإن أفلاطون هو أول من نقل قصة أسطورة أطلانطس عن كهنة قدماء المصريين. و التى مع ذلك كانت حضارة عملية عظيمة بقدر عظمة معجزة تشييد هذه الأهرام الحجرية الضخمة التى تقف شاهدا على مدى براعتهم الهندسية العملية و النظرية.
و لكن كيف تأتى لهذه الحضارت أن تنبت و تتصل ببعضها البعض على الرغم من اختلاف السنتها و تنائي أماكنها؟
هذا الاتصال فى حقيقة الامر هو احد خصائص البشر من بنى آدم. فنحن نلاحظ أن بعض القردة لديها القدرة على إنجاز بعض الاعمال اليدوية البسيطة بل و على الاحتفاظ بالنار مشتعلة بإلقاء المزيد من الأغصان اليابسة فيها – و لكنها لا تستطيع إشعال النار بنفسها- و عند هذا الحد تتوقف منجزاتها و عند هذا الحد أيضا تنتهى قدراتها . إذ يأتى جيل الأبناء ليكرر دائما ما كان يفعله آباؤه من حيث بدأوا فيكرر نفس البدايات و يقع فى نفس الاخطاء , ذلك أن سائر المخلوقات على سطح الأرض تفتقر للغة مثالية كاملة تتمكن بها من نقل أفكارها واضحة غير مشوشة إلى بعضها البعض , و جل ما تستطيعه هو بث إشارات عن الطرق أو أماكن الخطر أو حتى إصدار أصوات لإرهاب الأعداء أو التغزل ببعضها البعض.
أما أن يكون لدى أى كائن لغة متماسكة لا تعبر فقط عما هو كائن و إنما يكون لها معان تجريدية لا وجود لها فى الواقع و إنما تنقل أفكارا مجردة من أى توصيف مادي , فهذه سمة بشرية محضة . و بفضلها نتلقى العلم عن آباءنا و نكتسب منهم خبراتهم و نبدأ من حيث انتهوا . و لذلك فنحن دائما نقف على أكتافهم حتى نصير أطول منهم هامة و أكثر منهم إدراكا- قد لا يصح ذلك على كل فرد بعينه و لكنه يصح على المجتمع ككل -. و من هنا نفهم معنى التكريم القرآني لآدم حين باهى الملائكة بقدراته الفريدة فقال : " و علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤنى بأسماء هؤلاء إن كنتم تعلمون , قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إ نك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و كنتم تكتمون". فالمسألة لا تعنى فقط مجرد تسمية و إنما هى تتعدى ذلك إلى استعرض ملكة لغوية فريدة وقدرة فائقة على الوصف و التواصل . ملكة ستغير بوجودها وجه الحياة على الأرض التى ظلت كما هى صراع بين القوى و الضعيف فيما وصف بأنه الطبيعة ذات الظلف و الناب , طوال سنوات الخليقة قبل خلق آدم. هى الملكة التى بها نتواصل سويا الآن بعد أن ربض أسلافنا مختبئين ذعرا فى الكهوف لأحقاب طويلة خوفا من كل مفترس حقيقي أو متخيل حتى استطاعوا التواصل و نقل خبراتهم و صهرها سويا حتى وصلنا بعد آلاف السنين من هذه النشأة إلى أن نجلس مسترخين تماما أمام شاشات حواسيبنا نستعرض تاريخنا المجيد و نسبح بعظمة بارينا .
فاللهم لك الحمد . و اللهم ثبتنا على الإيمان.[/color]